الصفحات

الاثنين، 30 نوفمبر 2009

طبيعة الاعتماد ـ الاستقلال الإدراكي


تعددت وتباينت التعريفات المختلفة للأساليب المعرفية ، ويرجع مفهوم كلمة اسلوب "style " من حيث مدلولها النفسي إلى البورت ( Allport) وذلك في عام 1937 حينما استخدمها كأول الباحثين في أبحاثه عن أساليب الحياة "life styles " ، أما في الوقت الحاضر فإن لفظ" أسلوب معرفي" يعني الفروق بين الأفراد في التفضيلات والاتجاهات الناشئة عن العادات ، وتكوين وتناول المعلومات . وقد تطور مفهوم الأساليب المعرفية في علم النفس وأصبح يشغل عدة مجالات في الوقت المعاصر مثل : الإدراك ، التذكر ، التفكير ، تكوين وتناول المعلومات والمفاهيم ،الانتباه ، الشخصية ... الخ .( Richard Riding & Stephen Rayner ,1998)

ويعتبر مصطلح الأسلوب المعرفي إلى حد ما من المصطلحات التي ظهرت حديثا في علم النفس ، وخاصة في مجال علم النفس المعرفي.وهناك شبه اتفاق بين الباحثين والمهتمين بالأساليب المعرفية على أنها بمثابة تكوينات نفسية عبر الشخصية لا تتحدد بجانب واحد من جوانبها ، بل هي متضمنة في كثير من العمليات النفسية . ( أنور الشرقاوي ، 1992 )


ومن التفسيرات التي تناولت الأساليب المعرفية ما طرحه وتكن وزملاؤه فيشير إلى الأسلوب المعرفي على أنه " الطرق المميزة للأداء لدى الفرد والتي تظهر أثناء أنشطته العقلية وفي نماذج سلوكه الإدراكية ، وهذه الطرق تتميز بالثبات العالي ولها صفة العمومية" (Witkin , 1976 )
أما ميسك ( 1984 ) فينظر إلى الأساليب المعرفية على أنها : الطرق المفضلة لدى الفرد في تنظيم ما يراه ، وما يدركه ويتذكره ويفكر فيه ، وفي تكوين وتناول المعلومات . والفروق الثابتة في هذه الطرق تعرف بالأساليب المعرفية. أما أوزوبل Ausubel ,et al . وزملاؤه فيذكر أن : الأساليب المعرفية للفرد تقع في مرحلة متوسطة ما بين الدافعية والانفعال من جانب ، وبين المعرفة من جانب أخر ، ويذكر جابر عبد الحميد ، محمد جمال الدين ( 1984 ) إلى أن مفهوم الأسلوب المعرفي يشير إلى : الأبعاد السيكولوجية التي تمثل اتساقا في طريقة الفرد في اكتسابه للمعلومات ومعالجتها. في حين يشير بعض الباحثين إلى عوامل سيكولوجية فسيولوجية باعتبارها مصدرا لاستقرار الأساليب المعرفية. في حين يذكر أحد الباحثين أن الأساليب المعرفية بمثابة تكوينات فرضية داخل الشخصية ، متضمنة في كثير من العمليات النفسية ، كما أنها تسهم بقدر كبير في الفروق بين الأفراد في كثير من النواحي الإدراكية والوجدانية ، الأمر الذي يجعل لها القدرة على التأثير في استجابات الأفراد في المواقف المختلفة . ( صبري محمد حسن ، 1999 )

ومن بين هذه الأساليب المعرفية أسلوب ( الاعتماد ـ الاستقلال الإدراكي عن المجال ) ، وقد بدأ التنظير لهدا الأسلوب المعرفي بعد الحرب العالمية الثانية في كلية بروكلين ـ بالولايات المتحدة الأمريكية على يد وتكن وآش Witkin & Asch ، ونشرت نتائج هذه الدراسات في كتاب الشخصية من منظور الإدراك Personality Through Perception، وذلك عام ( 1954 ). وقد برز مفهوم الاعتماد ـ الاستقلال الإدراكي بمعنى أن هناك إنسانا يدرك معتمدا على عناصر المجال ، وإنسانا أخر يدرك مستقلا عن المجال ، بمعني آخر هل التحكم فيما ندرك يأتي من داخلنا ، أم من خارجنا ؟ أي هل ترجع مسببات التحكم فيما ندرك إلى عوامل ذاتية بحتة ، أم إلى عوامل خارجية تتعلق بالشيء المراد إدراكه.

وقد توصل وتكن إلى إثبات وجود فروق واضحة بين الأفراد في أدائهم وتعاملهم مع المواقف المختلفة ، ووجد أن هده الفروق متسقة ومتشابهة في المواقف والاختبارات المصممة لقيس الأساليب المعرفية ، وقد ظهر أن هناك أفرادا يكون إدراكهم للموقف والمجال المحيط بهم إدراكا كليا ، ولا يستطيعون إدراك أجزاء المجال كشيء مستقل أو منفصل عن المجال المحيط ككل ، وسمي أصحاب هذا النمط باسم " المعتمد على المجال " وبالمقابل فإن الأفراد الآخرين الذين يدركون عناصر المجال بطريقة تحليلية ، ويدركون أجزائه كعناصر منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض سمي أصحاب هدا النمط باسم " المستقل إدراكيا عن المجال "

أي أن الأسلوب المعرفي ( الاعتماد ـ الاستقلال الإدراكي ) ترجع تسميته بهذا المعنى لوجود خاصية واضحة تتمثل في اختلاف مقدرة الأفراد على إدراك أجزاء المجال منفصلة ، فالأفراد الذين يخضع إدراكهم على المراجع الخارجية الموجودة في المجال المحيط بهم ويستمدون معلوماتهم عن طريق عناصر ومكونات هذا المجال ، ولا يستطيعون إدراك هذا المجال بطريقة منفصلة ، ولا يستطيعون التغلب على تأثير المجال المحيط ؛ هؤلاء الأفراد يسمون بالمعتمدين إدراكيا. أما الأفراد الذين لا يعتمدون بشكل كبير على عناصر المجال المحيط بهم ويستمدون معلوماتهم عن طريق احساساتهم الداخلية الصادرة عن ذاتهم ، ويعتبرون هذه المراجع الداخلية موجهة لسلوكهم ، أو مرشدة لهم في إدراكهم لعناصر البيئة المحيطة بهم ؛ هؤلاء يسمون بالمستقلين عن المجال إدراكيا.

ويمثل الأسلوب المعرفي ( الاعتماد ـ الاستقلال الإدراكي ) قطبي متصل فهو ثنائي القطب ، حيث يكون الأفراد في أي من القطبين مرتفعين في أحد الصفتين ومنخفضين في الصفة الأخرى ، ولا يعني وجود الأفراد في أحد القطبين أنهم أسوأ أو أفضل من الأفراد في القطب الآخر ، فصفات الأفراد في كل قطب تتيح لهم فرصة التكيف في ظل ظروف معينة ـ ومن الجدير بالذكر أن كلا من النمطين (المعتمد ـ المستقل ) لا يمثل تصنيفا ثنائيا للأفراد ، بحيث يصبح لدينا نمطان متمايزان في أساليب الإدراك ، وليس معنى ذلك أنه يوجد فرد يكون معتمدا خالصا أو مستقلا خالصا عن المجال الإدراكي وإنما يميل إلى الاعتماد إدراكيا أو يميل إلى الاستقلال إدراكيا عن المجال ، ودلك طبقا للدرجة التي يحصل عليها الفرد في اختبار الأشكال المتضمنة الذي يقيس هذا الأسلوب ، بحيث يشغل الفرد نقطة على هذا التوزيع المتصل الذي يبدأ من أحد القطبين وينتهي بالقطب الآخر.

وترى جماعة وتكن وزملاؤه الأسلوب المعرفي ( الاعتماد ـ الاستقلال الإدراكي ) كجانب معرفي لزملة صفات الشخصية المتأصلة بعمق في الفرد والناجمة عن :
1 ـ التأثيرات البيئية للتنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة المبكرة.
2 ـ تباين الفرص المتاحة للجنسين ، وسيطرة العرف الاجتماعي في الأعمال والمهارات المطلوبة من كل جنس منهم
3 ـ الأنماط الثقافية العامة ، وأنماط التطبيع الاجتماعي التي تؤكد على بعض القيم مثل : ( المسايرة ، سيادة التقاليد القوية ، السلطة الوالدية ، الأنظمة القاسية التي تسعي إلى إحباط الاستقلال عن المجال ).
( محمود عمر ، 1986 )
ويرى بعض الباحثين أن هذا الأسلوب المعرفي يزداد تمايزا مع تقدم العمر أثناء النمو ، وبرغم هذا فإن كل فرد يميل إلى المحافظة على وضعه النسبي بين أترابه في توزيع مقاييس التمايز في الوظيفة الإدراكية من عمر إلى آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق