الأحد، 7 مارس 2010

حبات القلوب .. ورياض الأطفال

حبات القلوب .. ورياض الأطفال
ورقة عمل مقدمة من : د. الحملاوي صالح عبد المعتمد ، مدرس علم النفس ـ كلية الآداب ـ جامعة الفيوم ، في ندوة بعنوان " أهمية رياض الأطفال " ، تنظمها جمعية تنمية المجتمع بسرسنا ـ محافظة الفيوم ، 8 مارس 2010 م .
مقدمة :
أطفالنا هم حبات القلوب التي نحرص على الاهتمام بهم ، وتربيتهم وتعليمهم ، ومن البديهيات الآن في علم النفس التربوي ، أن مرحلة الطفولة تعد من أهم المراحل في حياة الإنسان، إذ يكون الطفل فيها غضًّا من النواحي الجسميَّة، والعقليَّة، والنفسيَّة، شديد القابليَّة للتَّأثر بالعوامل المختلفة المحيطة به، فالطفولة هي مرحلة أساس العمر، غير أنَّ أهم السنوات في مرحلة الطفولة هي السنوات الخمس الأولى، وتكمن أهميَّة هذه السنوات في الدَّور الأساسي الذي تقوم به في تكوين شخصيَّة الفرد بصورة تترك طابعها فيه طيلة حياته، وهذا يجعل من تربية الطفل في هذه السنوات أمرًا يستحق العناية البالغة.
لماذا رياض الأطفال ؟


للإجابة عن هذا التساؤل ، سنعطي لمحة تاريخية عن كيفية نشأة رياض الأطفال ، ثم نتطرق سريعا لأهداف ومنهج رياض الأطفال ـ وخاصة اللعب ـ ومن ثم ؛ أهميتهما في تشكيل وبناء الطفل ، كمرحلة تعد بمثابة الأساس التي تتشكل من خلاله وتنمو شخصية الطفل بقية حياته ، وكل ما سيأتي لاحقا ، هو علو وارتقاء أو هدم وبناء ، دونما أدنى تغيير لما تم بناؤه في مرحلة الطفولة ، وأخيرا سنتحدث عن بعض التحديات التي تواجهها الأسرة لطفلها الملتحق بالروضة. وليس بالمستغرب أن يقول أحد علماء النفس السلوكيين " إعطني الطفل حتى سن خمس سنوات وأنا أجعله لى مدى الحياة ".
لمحة تاريخية:
لقد أكَّد أفلاطون منذ ألفي عام على فوائد تربية الأطفال، ومنذ ذلك الحين اتَّخذ توجيه الصغار وتربيتهم خارج البيت أشكالاً عديدة، وفي أوائل القرن 18 أقيمت مراكز تقوم على توفير تربية دينيَّة وحماية صحيَّة للصغار في بريطانيا، وأنشئت ـ في أوائل القرن 19 ـ دور للحضانة في كلٍّ من بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، ثم أصبحت رياض الأطفال مألوفة في ألمانيا على يد "فروبل".
لقد قام "فروبل" بافتتاح المعهد التربوي الألماني العام سنة 1816 في كوخ قروي، وكان عدد الملتحقين فيه خمسة أطفال صغار، وقام في سنة 1826 بنشر كتابه "تربية الإنسان" الذي أكد فيه اهتمامه بتربية الأطفال، وأكد كذلك على استخدام اللعب، والنشاط الجسمي، والعقلي عند الأطفال، وفي سنة 1837 أنشأ "فروبل" أول مؤسساته الجديدة التي سماها فيما بَعْدُ بـ "رياض الأطفال".
إن المدرسة بالنسبة إلى "فروبل" مكان يجب أن يتعلم فيه الطفل أمور الحياة المهمة، والأمور الأساسية عن الحقيقة، والعدالة، والشخصية الحرة، والمسؤولية، والمبادرة، والعلاقات الاجتماعية، وهذه الأمور لا يتعلمها الطفل عن طريق الدراسة؛ بل عن طريق ممارستها ممارسة حياتية. ولقد حرص "فروبل" على أن يرى الطفل الطبيعة في صورتها الحيَّة، وأن يلاحظ كل صغيرة وكبيرة فيها، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان الطفل يعيش في بيئة فيها مجال واسع للملاحظة والتجريب؛ أي أن تكون المدرسة عبارة عن بناء وسط حدائق، وهذا هو أساس رياض الأطفال "أي حديقة الأطفال".
وينصح فروبل الآباء الذين يملكون حدائق أن يخصصوا أجزاء منها لرعاية أطفالهم، ويسمحوا لهم بزرعها وسقيها؛ لأن في ذلك "فتحًا" لباب من أبواب المعرفة، يطلع الطفل من خلاله على حقائق كثيرة، فالفكرة الأساسية في "حديقة الأطفال" هي معاونة الطفل في التعبير عن ذاته، وذلك عن طريق العمل والنشاط الذاتي للطفل.
أهداف رياض الأطفال وأهميتها:
تهدف العملية التعليمية بمرحلة رياض الأطفال إلى : التنمية الشاملة والمتكاملة لكل طفل في المجالات : العقلية، والجسمية، والحركية، والانفعالية، والاجتماعية والخلقية . مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية، كما تهدف إلى تنمية مهارات الأطفال اللغوية والعددية والفنية ، من خلال الأنشطة الفردية والجماعية، و إنماء القدرة على التفكير والابتكار والتخيل، كما تهدف إلى التنشئة الاجتماعية والصحية السليمة ، وتعمل على تلبية حاجات ومطالب النمو الخاصة بهذه المرحلة من العمر لتمكن الطفل من أن يحقق ذاته، ومساعدته في تكوين الشخصية السليمة، وعلى تكوين قيم روحية واكتساب سلوكيات راقية ومتحضرة، وذلك من خلال نشاطات نظرية وعملية في التربية الدينية كسلوكيات، وتعويد الطفل على النظام، وتكوين علاقات إنسانية مع المعلمة والزملاء.
ولقد أدرك العالم ـ بأسره ـ أهمية رياض الأطفال ، وأن الطفل يكون خلال عمر الروضة أرضاً خصبة، يتلقى وبإدراك كل معلومة يمنح إياها ، لذلك كانت جهود التربويون موجهة بشكل مباشر إلى هذه المرحلة الحساسة من حياة الإنسان ، وتم تكريس كل المجهودات لتكون رياض الأطفال هي البذرة الأولى والأساس المتين الذي يشيد عليه بنيان عظيم وشامخ ( الإنسان ) ، ولهذا ؛ لابد من الاعتناء بهذه المرحلة لأهميتها وضرورتها، واستثمارها استثمارا حقيقيا لما له فوائد كبيرة على الطفل وعلى المجتمع, وذلك من قبل العائلة أولا ثم الروضة ثانياً ، فهذه المرحلة تكسب الطفل جملة من العادات والآداب الدينية الضرورية لحياته ، حينما يتعلم كيفية الاستئذان وإلقاء السلام عند الدخول ، وآداب الحوار مع المعلم ، وآداب الخلاء والاختلاء . والاعتداد بالشخصية الإسلامية المثلى في شؤون الطفل داخل وخارج المنزل ، والطفل لديه العديد من القدرات الفنية المبدعة ، ولكن عدم استخدام هذه القدرات يجعلها تتواري وتختفي, وهنا تبرز أهمية اكتشاف وتنمية هذه المهارات في وقت مبكر, وتساهم رياض الأطفال كثيرا في اكتشاف وتنمية تلك القدرات.
ولرياض الأطفال أهمية كبرى ، إذ انها تتميز بالتعامل والاهتمام والرعاية بالطفل في مرحلة مهمة من حياته, وهي تتميز عن جميع المراحل العمرية للإنسان ، لأن الطفل في هذه السن لديه القابلية للتعلم واكتساب المهارات ـ كا ذكرنا سابقا ـ وتصبح للروضة قيمتها إذا عملت على إشباع حاجات الطفل، ولكي يتم ذلك لا بدَّ من تعاون مشترك بين البيت والروضة، فرياض الأطفال تكمل ما توفره الأسرة للطفل .
وهذه المرحلة هي مرحلة تسلية ولعب للطفل، لهذا ينبغي أن تركز رياض الأطفال على تنمية جميع المهارات والقدرات وإكساب الطفل المعلومات والمعارف عن طريق استخدام الألعاب، فمن خلال اللعب يكتسب الطفل القيم والمعايير الاجتماعية ، من خلال الألعاب الهادفة والمسلية يتعرف ويتعلم الطفل على الأخلاقيات والمهارات, وكذلك على المعارف والعلوم ،ويشعر الطفل بالاستقرار النفسي والهدوء والأمان، وانفراده في مملكته التي تكون قريبة من بيئته التي خرج منها مما يشعره بالاعتزاز بالنفس فيحب تلقي المعلومات.
ورياض الأطفال تعمل على كسب ثقة أطفالها من أجل حبهم للتعلم والتعليم ، وتتيح الفرصة لهم للتجريب والاكتشاف، وتوفر لهم إمكانية إقامة علاقات اجتماعية جيدة مع أقرانهم، وبذلك تؤدي رياض الأطفال وظيفة اجتماعية نحو الأطفال، ولو قارنَّا أطفالاً التحقوا بالروضة بأطفال لم يلتحقوا بها، لوجدنا أنَّ الأطفال الذين كانوا قد التحقوا بالروضة أسرع من غيرهم في بناء علاقاتهم الاجتماعية، وأنهم يظهرون سيطرة أكثر مما يرونه من خضوع، ولذلك فإنهم أكثر شعورًا بالأمن، وأقدر من غيرهم على التكيف.
منهج رياض الأطفال:
لا يوجد منهج مُحَدَّد لتعليم القراءة والكتابة والحساب في رياض الأطفال، ذلك أنَّها مدرسة للعب، ويتَّصف منهج رياض الأطفال بما يلي:
- النَّشاط في الروضة لا يكون مستمرًّا؛ ولكن تتناوب فترات النشاط مع فترات الرَّاحة.
- يهتم بنمو الطفل جسميًّا، وعقليًّا، واجتماعيًّا، وحركيًّا، وانفعاليًّا، ونفسيًّا.
- يؤكد على الفروق بين الحقيقة والخيال.
- يدرب الأطفال على حل المشكلات البسيطة.
- يوفر مجالات كثيرة لتذوق الجمال.
- ينمي ميول الأطفال نحو القراءة.
- يعتمد على الملاحظة؛ ليتعلم الأطفال إجابات أكثر، وتوجيه أسئلة أكثر.
- يعلم الطفل الاستفادة من كل فرصة للتَّفكير والمعرفة.
- يشجع استخدام وسائل الاتصال المتعددة.
- يتقبَّل المحاولات الاجتماعيَّة النَّاقصة، ويشجع التَّطور الاجتماعي.
- لا يتطلَّب تناسُقًا حركيًّا دقيقًا، أو أنماطًا للتَّوفيق بين حركة اليد والعين غير المستعدة بعد.
- يزيد من فرص اكتساب المهارات الضَّروريَّة للسلوك.
اللعب في رياض الأطفال:
عندما يلعب الشخص الكبير فهو يلعب للتَّسلية، ولكن يختلف ذلك بالنسبة للطفل، فاللعب عنده هو العمل، ويرى "فروبل" أنَّ اللَّعب أهم مظاهر النَّشاط العفوي عند الطفل، وأنَّه أساس العمليَّة التَّربويَّة في السَّنوات الأولى من العمر، وتكمن أهميَّة لعب الطفل فيما يلي:
1 - يدخل الطفل من خلال اللعب إلى عالم العلاقات والصلات الاجتماعيَّة، وتعلم المشاركة، وأَخْذ الأَدْوار.
2 - اللعب يساعد الطفل على أن يحس بالاستقلال.
3 - يكسب اللَّعبُ الطفلَ خبرة ويعلمه، فعندما يلعب دور معلم، أو طبيب، فهو لا يفعل ذلك من أجل التَّسلية، وإنما يحاول التَّمرن على الأعمال والمهارات في المحيط الذي يعيش فيه.
4 - نقل الثَّقافة: يقوم الطفل أثناء لعبه بتقليد العادات الاجتماعيَّة التي يراها من الكبار، وبذلك يتمكَّن من الحصول على الثَّقافة من خلال اللَّعب.
5 - التَّمرين: يتعلم الطفل من اللعب التَّحكم في حركات العضلات.
6 - تعلم مهارات تعليميَّة محدَّدة: مثل مطالعة الألعاب التَّحضيريَّة، فرز الأشياء، حل الفوازير، وما شابه ذلك.
7 - يتعلَّم الطفل من خلال اللعب كيفيَّة الاعتناء باللُّعب والدمى، وحفظها والاعتناء بها والمحافظة على نظافتها.
8 - يتعرَّف الطفل من خلال اللَّعب على المفاهيم المتعلقة بالجسم من حجم، وشكل، ووزن، ولون، وتركيب.
9 - التَّعبير عن الشعور والأفكار من خلال اللَّعب وذلك عن طريق الحركات، والأغنية، واللغة.
ونظرًا لهذه الأهمية الكبيرة للعب في رياض الأطفال، فإنها يجب أن تشتمل على ساحات واسعة من أجل اللَّعب في الهواء الطَّلق، فأطفال الروضة يشعرون أنَّ لديهم من القوة والثقة بالنَّفس ما يمكنهم من تكييف قوتهم الجسميَّة حسب أي لعبة يحبونها ويقومون بها، ويجب أن توفر الروضة كذلك الفُرص للأطفال لاستعمال أيديهم في أعمال يقومون بها مثل: إعادة الألعاب إلى أماكنها، ووضع الكراسي في مكانها، وما شابه ذلك.
تحديات تواجهها الأسرة لطفلها الملتحق بالروضة :
أكثر التحديات شيوعاً التي يواجهها الآباء بالنسبة لأطفالهم الصغار ـ عند التحاق طفلهم برياض الأطفال ـ هي توديع الوالدين ، فبالنسبة لبعض الأطفال تكون هذه أول مرة ينفصلون فيها عن أمهاتهم ، وحتى إذا كانوا قد سبق لهم الانفصال عنهن، فإن هذه طريقة جديدة وموقف جديد تماماً يشاركهم فيه أطفال آخرون، ويمكننا تهدئة قلق صغارنا بشأن الانفصال عن الأم في هذه المرحلة ، بتهدئة الأم أولا ، فإذا كان لدى الأم شعور بالتردد أو عدم الارتياح أو الشك المتعلق وكراهيتها ترك طفلها للمنزل ، أو إذا كانت غير مقتنعة تماماً بالمكان الذي ستترك فيه الطفل ، أو غير راضية عن حقيقة ضرورة تركه ، فإن الرسالة التي سيلتقطها الطفل مفادها هو "حسناً قد يكون هذا المكان غير جيد حقيقة أو أن بقائي فيه فكرة غير مناسبة"، فالمطلوب أولاً - وفقاً لرؤية علماء النفس- هو أن تجهز الأم نفسها أولاً قبل أن تجهز طفلها لهذه المرحلة الفاصلة في حياته.
ومع ذلك يتعين على الأم أيضاً تجهيز صغيرها لتلك المرحلة بأمور عديدة أولها : أخذه لزيارة الفصل الدراسي ومقابلة المعلمة قبل بدء الدراسة ، وإذا تيسرت مقابلته مع طفل آخر سيلتحق بالروضة معه لأول مرة في ذات الوقت ويلعبان معاً ، لأن ذلك سيكون أروع لأنهما سيرحبان ببعضهما حين يلتقيان مع بدء الدراسة في روضة الأطفال ، وبالتالي يخف القلق الجاثم على صدر كل منهما، كما يمكن للأم أن تعطي صغيرها شيئا محببا له معه في أيامه الأولى بالروضة مثل : لعبة يحبها ، أو قصة تستطيع معلمته قراءتها له ولزملائه في الفصل وما إلى ذلك ، إضافة إلى تأكيدها له بأن "ماما ستأتي" أو "بابا سيأتي" لأخذك إلى البيت.
وهناك شيء مهم يجب التنويه عليه وهو : الوجبة الغذائية ، إذ تعتبر الوجبة الغذائية الصحية من الأمور المهمة في رياض الأطفال , ولهذا ؛ ينبغي الاهتمام والاعتناء بها جيدا , والاتفاق مع الأسرة بتوفير الوجبات الغذائية المتكاملة من حيث الصحة والنظافة و الحرص على تناول الطفل لوجبته كل يوم . ولا يفوتنا أهمية التواصل بين الأسرة وروضة الأطفال والزيارة الدائمة من الأم للطفل , و لأجل تقوية هذا الجانب تقوم الرياض بدروس معايشة حيث يسمح للأم بأن تحضر الدرس مع الطفل حتى تتعرف على كيفية تعايش الطفل مع زملائه ، وكيف يمكن للمدرسة أن تعطيه المعلومة بشكل طبيعي وتلقائي، وهكذا تستطيع أن تسيطر عليه داخل المنزل بنفس طريقة المدرسة.
وفي الختام : ـ
تبقى رياض الأطفال مسؤولية تربوية وتعليمية في أعناق الجميع ، من مسئولين وآباء وأمهات, وهي بحاجة إلى الاهتمام والرعاية والتبني وزيادة عددها وتطويرها , وعلى الجميع الاستثمار في هذا المجال بما يخدم الرسالة التعليمية والتربوية في هذا الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق